فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ شَرْطِ التَّمَلُّكِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُمْلَكُ بِهِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُمْلَكُ بِهِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ فَنَقُولُ- وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ-: الْمَشْفُوعُ فِيهِ يُمْلَكُ بِالتَّمَلُّكِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا مِلْكَ لِلشَّفِيعِ قَبْلَ الْأَخْذِ بَلْ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ قَبْلَ الْأَخْذِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ وَهُوَ الشِّرَاءُ، فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَيَغْرِسَ وَيَهْدِمَ وَيَقْلَعَ وَيُؤَاجِرَ وَيَطِيبَ لَهُ الْأَجْرُ وَيَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِ الْكَرْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَهَبَ وَيُوصِيَ، وَإِذَا فَعَلَ يَنْفُذُ إلَّا أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فَيَمْتَنِعُ اللُّزُومُ، وَلَوْ جَعَلَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَيَنْقُضَ مَا صَنَعَ الْمُشْتَرِي، كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ كَمَا لَوْ بَاعَ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ وُجُودِهِ فَنَفَذَ وَلَمْ يَلْزَمْ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ كَالْإِعْتَاقِ فَكَانَ نَفَاذُهَا لُزُومَهَا، وَلَنَا أَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الشَّفِيعِ بِالْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهِ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا يَكُونُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ يَمْنَعُ خُلُوصَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَمْنَعُ صَيْرُورَتَهُ مَسْجِدًا، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ الْمُشْتَرَاةَ بِالشُّفْعَةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ جِوَارُ الْمِلْكِ أَوْ الشَّرِكَةُ فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِ هَذِهِ الدَّارِ فَطَالَبَ الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ وَقُضِيَ لَهُ بِهَا ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ يُقْضَى لَهُ بِالدَّارِ الَّتِي بِجِوَارِهِ وَيَمْضِي الْقَضَاءُ فِي الثَّانِيَةِ لِلْمُشْتَرِي، أَمَّا لِلشَّفِيعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا لِلْمُشْتَرِي؛ فَلِأَنَّ الْجِوَارَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ إلَّا أَنَّهُ بَطَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ لِلدَّارِ بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ جِوَارَ الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا كَمَنْ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ فَقُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ بَاعَ دَارِهِ الَّتِي بِهَا يَشْفَعُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِالشُّفْعَةِ لِمَا قُلْنَا، كَذَا هَذَا.
وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ جَارًا لِلدَّارَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَيُقْضَى لَهُ بِكُلِّ الدَّارِ الْأُولَى وَبِالنِّصْفِ مِنْ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ جَارٌ خَاصٌّ لِلدَّارِ الْأُولَى فَيَخْتَصُّ بِشُفْعَتِهَا، وَهُوَ مَعَ الْمُشْتَرِي جَارَانِ لِلدَّارِ الثَّانِيَةِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي شُفْعَتِهَا، وَشِرَاءُ الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الشُّفْعَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ بَلْ يُقَرِّرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ ثُمَّ اشْتَرَى رَجُلٌ آخَرُ نِصْفَهَا الْآخَرَ فَخَاصَمَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَيُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ، ثُمَّ خَاصَمَهُ الْجَارُ فِي الشُّفْعَتَيْنِ جَمِيعًا أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِأَنَّهُ جَارٌ لِلنِّصْفِ الْأَوَّلِ فَيَأْخُذُهُ بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي شَرِيكٌ عِنْدَ بَيْعِ النِّصْفِ الثَّانِي لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ، وَثُبُوتُ الْحَقِّ لِلشَّفِيعِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ فَكَانَ شَرِيكًا عِنْدَ بَيْعِ النِّصْفِ الثَّانِي، وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَهَا ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَهَا الْآخَرَ رَجُلٌ آخَرُ فَلَمْ يُخَاصِمْهُ فِيهِ حَتَّى أَخَذَ الْجَارُ النِّصْفَ الْأَوَّلَ فَالْجَارُ أَحَقُّ بِالنِّصْفِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ- وَإِنْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِأَخْذِ الْجَارِ بِالشُّفْعَةِ فَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ.
وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ دَارًا فَبِيعَتْ دَارُ الْأَوَّلِ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِ الثَّانِيَةِ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ الْمَوْرُوثَةُ وَطَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَأْخُذُ الدَّارَ الثَّانِيَةَ، وَالْوَارِثُ أَحَقُّ بِالثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الْوَارِثُ كَانَتْ مِلْكَ الْمُسْتَحِقِّ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّانِيَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَارًا فَكَانَتْ الشُّفْعَةُ فِي الثَّانِيَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَالْوَارِثُ يَكُونُ أَحَقَّ بِالثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا لِلْوَارِثِ عِنْدَ بَيْعِ الثَّالِثَةِ فَكَانَ السَّبَبُ- وَهُوَ جِوَارُ الْمِلْكِ- ثَابِتًا لَهُ عِنْدَهُ ثُمَّ بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَبُطْلَانُ الْمِلْكِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الشُّفْعَةِ.
وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ قِسْمَةَ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ مِنْ رَجُلٍ مُشَاعًا وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَالْقِسْمَةُ مَاضِيَةٌ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَهَا لِيَأْخُذَ نِصْفَهَا مُشَاعًا سَوَاءٌ كَانَتْ قِسْمَتُهُ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَمْ تَصِحَّ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ صِحَّةِ الْهِبَةِ، وَالْقَبْضُ عَلَى التَّمَامِ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الشِّيَاعِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ فَالشَّفِيعُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ الْقَبْضِ بِأَنْ اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَهُ لِيَأْخُذَهَا مِنْ الْبَائِعِ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ نَقْضَ الْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ مَا بِهِ تَمَامُ الْقَبْضِ وَهُوَ الْقِسْمَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ فَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هُنَاكَ لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُكْمِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ إذْ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ كَمَا أَوْجَبَ الْمِلْكَ أَوْجَبَ الْقِسْمَةَ فِي الْمُشَاعِ، وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ لَمْ يَقَعْ مَعَ هَذَا الْمُشْتَرِي الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بَلْ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَالتَّصَرُّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ نَقْضَهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الَّذِي أَصَابَ الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ سَوَاءٌ وَقَعَ نَصِيبُ الْمُشْتَرِي مِنْ جَانِبِ الشَّفِيعِ أَوْ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لَهُ فِي النِّصْفِ الْمُشْتَرَى، وَالنِّصْفُ الَّذِي أَصَابَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُشْتَرَى؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ.
وَلَوْ وَقَعَ نَصِيبُ الْبَائِعِ مِنْ جَانِبِ الشَّفِيعِ فَبَاعَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ قَبْلَ طَلَبِ الشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ الْأُولَى ثُمَّ طَلَبَ الشَّفِيعُ فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ الْأَخِيرَةِ- جَعَلَ نِصْفَ الْبَائِعِ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَقَضَى بِالشُّفْعَةِ الْأُولَى- وَهِيَ نِصْفُ الْمُشْتَرِي- لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَعَ الْمُشْتَرِي جَارَانِ لِنِصْفِ الْبَائِعِ، وَالشَّفِيعُ جَارٌ خَاصٌّ لِنِصْفِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ بَدَأَ فَقَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ الْأُولَى قَضَى لَهُ بِالْأَخِيرَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ الْأُولَى بَطَلَ حَقُّ جِوَارِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الْمَشْفُوعَ فِيهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَمَّا كَانَ يَثْبُتُ بِالتَّمَلُّكِ بِبَدَلٍ كَانَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءً فَيُرَاعَى فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ طَرِيقِ التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ:

وَأَمَّا بَيَانُ طَرِيقِ التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ وَبَيَانُ كَيْفِيَّتِهِ فَالتَّمَلُّكُ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ: إمَّا بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي وَإِمَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي؛ أَمَّا التَّمَلُّكُ بِالتَّسْلِيمِ بِالْبَيْعِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ بِبَدَلٍ يُبْدِلُهُ الشَّفِيعُ وَهُوَ الثَّمَنُ يُفَسِّرُ الشِّرَاءَ، وَالشِّرَاءُ تَمَلُّكٌ وَأَمَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ التَّمَلُّكِ بِالْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ وَفِي بَيَانِ شَرْطِ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَبِيعُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالشُّفْعَةِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَيْعُ لَا يُنْتَقَضُ بَلْ تَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَيَنْعَقِدُ لِلشَّفِيعِ بَيْعٌ آخَرُ كَأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ إيجَابَانِ أَحَدُهُمَا مَعَ الْمُشْتَرِي وَالْآخَرُ مَعَ الشَّفِيعِ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ فَقَدْ قَبِلَ الشَّفِيعُ الْإِيجَابَ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ وَانْتَقَضَ مَا أُضِيفَ إلَى الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْإِيجَابَ الْمُضَافَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالتَّحَوُّلِ لَا بِالِانْتِقَاضِ أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ انْتَقَضَ لَتَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَإِذَا انْتَقَضَ لَمْ يَجِبْ فَتَعَذَّرَ الْأَخْذُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ نَصُّ مُحَمَّدٍ، وَالْمَعْقُولُ وَالْأَحْكَامُ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدْ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ؛ وَالْعَجْزُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ؛ كَمَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي لِوُجُودِ آثَارِ الْمِلْكِ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ تَحَوَّلْ الْمِلْكُ إلَى الشَّفِيعِ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي.
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ لَا يَعُودُ شِرَاءُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ تَحَوَّلَتْ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ لَعَادَ شِرَاءُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّحَوُّلَ كَانَ لِضَرُورَةِ مُرَاعَاةِ حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَمَّا رَدَّ فَقَدْ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ الشِّرَاءُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ لَصَارَ الْمُشْتَرِي وَكِيلًا لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ يَقَعُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَرَضِيَ بِهَا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ وَرِضَاهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِلْحَالِ يَأْخُذُ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَلَوْ تَحَوَّلَتْ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ لَأَخَذَهَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهَا عِنْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَلَوْ تَحَوَّلَتْ تِلْكَ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ لَمَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ كَمَا لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ عَلَى أَنَّ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي يُنْتَقَضُ وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِشِرَاءٍ مُبْتَدَإٍ بَعْدَ إيجَابٍ مُبْتَدَإٍ مُضَافٍ إلَيْهِ.
وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ انْتَقَضَ لَتَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِذَلِكَ الْعَقْدِ لِانْتِقَاضِهِ بَلْ بِعَقْدٍ مُبْتَدَإٍ مُقَرَّرٍ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا تَقْرِيرَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ مِنْهُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي، وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ وَقَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ ثُمَّ إذَا أَخَذَ الدَّارَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ إنْ كَانَ قَدْ نَقَدَ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ هِيَ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَيَكُونُ عَلَى مَنْ قَبَضَ الثَّمَنُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَقْبِضْ الدَّارَ حَتَّى قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمَا- أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الدَّارَ مِنْ الْبَائِعِ وَيَنْقُدُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ دَفَعَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ فَالْمِلْكُ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَائِعِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ، ولابد أَيْضًا لِبُطْلَانِ حَقِّ الْحَبْسِ بِنَقْدِ الثَّمَنِ بَلْ يَقَعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الثَّمَنُ لَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ لَمْ يَنْقُدْ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الشَّفِيعُ مِنْ قَبْضِ الدَّارِ إلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ.
وَأَمَّا شَرْطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ فَحَضْرَةُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمَبِيعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فلابد مِنْ حَضْرَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ؛ أَمَّا الْبَائِعُ فَبِالْيَدِ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَبِالْمِلْكِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُمَا لِئَلَّا يَكُونَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَحَضْرَةُ الْبَائِعِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَيُكْتَفَى بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَيَدِهِ عَنْ الْمَبِيعِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا حَضْرَةُ الشَّفِيعِ أَوْ وَكِيلِهِ شَرْطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا لَا يَجُوزُ فَالْقَضَاءُ لِلْغَائِبِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، ثُمَّ الْقَاضِي إذَا قَضَى بِالشُّفْعَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ وَلَا يَقِفُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلشَّفِيعِ يَثْبُتُ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ، وَالشِّرَاءُ الصَّحِيحُ يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ.
وَأَمَّا وَقْتُ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ فَوَقْتُهُ وَقْتُ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا؛ فَإِذَا طَالَبَهُ بِهَا الشَّفِيعُ يَقْضِي الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ سَوَاءٌ حَضَرَ الثَّمَنُ أَوْ لَا؛ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الدَّارَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الشَّفِيعِ وَكَذَا الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَنْقُدَ حَبَسَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ ظَهَرَ ظُلْمُهُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ إيفَاءِ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَيَحْبِسُهُ وَلَا يَنْقُضُ الشُّفْعَةَ؛ كَالْمُشْتَرِي إذَا امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ.
وَإِنْ طَلَبَ أَجَلًا لِنَقْدِ الثَّمَنِ أَجَّلَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ النَّقْدُ لِلْحَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ النَّقْدِ فَيُمْهِلُهُ وَلَا يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الظُّلْمِ بِالْمَطْلِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَطْلُهُ؛ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَنْقُدْ حَبَسَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُحْضِرَ الشَّفِيعُ الْمَالَ؛ فَإِنْ طَلَبَ أَجَلًا أَجَّلَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ أَبَى الشَّفِيعُ أَنْ يَنْقُدَ حَبَسَهُ، وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَيْسَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُحْضِرَ الشَّفِيعُ الْمَالَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى نَوْعِ احْتِيَاطٍ مَحَلٍّ وَاخْتِيَارُ الْأَوَّلِ، لَا تُسْتَعْمَلُ لَفْظَةُ لَا يَنْبَغِي إلَّا فِي مِثْلِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى جَازَ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِمَذْهَبِ الْمُخَالِفِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ إنَّمَا يَنْفُذُ بِشَرِيطَةِ اعْتِقَادِ إصَابَتِهِ فِيهِ وَإِفْضَاءِ اجْتِهَادِهِ إلَيْهِ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْقَضِيَّةَ فِي النَّفَاذِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ، ثُمَّ إنْ ثَبَتَ الْخِلَافُ.
(فَوَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْ الشَّفِيعِ، وَالْقَضَاءُ قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ يَتَضَمَّنُ الضَّرَرَ بِالْمُشْتَرِي لِاحْتِمَالِ إفْلَاسِ الشَّفِيعِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْإِنْسَانِ بِإِضْرَارِ غَيْرِهِ مُتَنَاقِضٌ فَلَا يُقْضَى قَبْلَ الْإِحْضَارِ وَلَكِنْ يُؤَجِّلُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً إنْ طَلَبَ التَّأْجِيلَ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ نَقْدِ الثَّمَنِ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا الْمَشْفُوعَ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ كَأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَالتَّمَلُّكُ بِالشِّرَاءِ لَا يَقِفُ عَلَى إحْضَارِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الشِّرَاءِ الْمُبْتَدَإِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ ضَرَبَ لَهُ الْقَاضِي أَجَلًا فَقَالَ لَهُ إنْ لَمْ تَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَلَا شُفْعَةَ لَكَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الشَّفِيعُ إنْ لَمْ أُعْطِكَ الثَّمَنَ إلَى وَقْتِ كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ إسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ بِالشَّرْطِ وَالْإِسْقَاطَاتُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ شَرْطِ التَّمَلُّكِ:

وَأَمَّا بَيَانُ شَرْطِ التَّمَلُّكِ فَالتَّمَلُّكُ بِالشُّفْعَةِ لَهُ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: رِضَا الْمُشْتَرِي أَوْ قَضَاءُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ مَالِ الْغَيْرِ مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَثْبُتُ التَّمَلُّكُ بِدُونِهِمَا، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ التَّمَلُّكُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ فَإِنْ تَضَمَّنَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ؛ لِأَنَّ فِي التَّفْرِيقِ ضَرَرًا بِالْمُشْتَرِي وَهُوَ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ بِالضَّرَرِ مُتَنَاقِضٌ.
وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الْمُشْتَرَى بِالشُّفْعَةِ دُونَ بَعْضِهِ أَنَّهُ هَلْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمُشْتَرَى لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مُمْتَازًا عَنْ الْبَعْضِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ اشْتَرَى دَارًا وَاحِدَةً فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهَا بِالشُّفْعَةِ دُونَ الْبَعْضِ أَوْ يَأْخُذَ الْجَانِبَ الَّذِي يَلِي الدَّارَ دُونَ الْبَاقِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْكُلَّ أَوْ يَدَعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ لَتَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي كُلِّ الدَّارِ ثَبَتَ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَخْذُ الْبَعْضِ تَفْرِيقًا فَلَا يَمْلِكُهُ الشَّفِيعُ؛ وَسَوَاءٌ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ لَيْسَ لَهُ؛ لِمَا قُلْنَا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَرُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ.
(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّمَلُّكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ يَقَعُ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ خَرَجَ نَصِيبُهُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَرَرُ التَّفْرِيقِ؛ وَهُوَ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَقَعُ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَفَرُّقُ مِلْكِهِ؟ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَبِمِلْكِ نَصِيبِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ تَفْرِيقَ مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ هُنَا لَا يَتَضَمَّنُ التَّفْرِيقَ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ حَصَلَتْ مُتَفَرِّقَةً وَقْتَ وُجُودِهَا؛ إذْ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ بِقَوْلِهِ فَلَمْ تَتَّحِدْ الصَّفْقَةُ فَلَا يَقَعُ الْأَخْذُ تَفْرِيقًا؛ لِحُصُولِ التَّفْرِيقِ قَبْلَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا الْكُلَّ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ.
(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أَخْذَ الْبَعْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيقَ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ، وَالتَّمَلُّكُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَتَضَمَّنُ التَّفْرِيقَ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ يَقَعُ عَلَى الْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ حِصَّتَهُ دُونَ صَاحِبِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّفْقَةَ حَصَلَتْ مُتَفَرِّقَةً مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَكُونُ أَخْذُ الْبَعْضِ تَفْرِيقًا لِحُصُولِ التَّفْرِيقِ قَبْلَ الْأَخْذِ وَقَوْلُهُ فِيهِ تَفْرِيقُ الْيَدِ- وَهُوَ الْقَبْضُ- مَمْنُوعٌ فَالشَّفِيعُ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِالشُّفْعَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يُفَرِّقُ الْيَدَ حَتَّى لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ مَا لَمْ يَنْقُدْ الْآخَرَ كَيْ لَا يَتَفَرَّقَ الْقَبْضُ، وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ نِصْفٍ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ أَوْ سَمَّى لِلْجُمْلَةِ ثَمَنًا وَاحِدًا فَالْعِبْرَةُ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَتَعَدُّدِهَا لَا لِاتِّحَادِ الثَّمَنِ وَتَعَدُّدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّفْرِيقِ هُوَ الضَّرَرُ، وَالضَّرَرُ يَنْشَأُ عَنْ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ لَا عَنْ اتِّحَادِ الثَّمَنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي عَاقِدًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ جَمِيعًا رَجُلًا وَاحِدًا بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ مِنْ رَجُلَيْنِ فَجَاءَ الشَّفِيعُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ بِالشُّفْعَةِ.
وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ وَاحِدٌ رَجُلَيْنِ فَاشْتَرَيَا مِنْ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوُكَلَاءُ عَشَرَةً اشْتَرَوْا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا أَنْظُرُ إلَى الْمُشْتَرَى لَهُ، وَهُوَ نَظَرٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْبَيْعِ وَأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْوَكِيلِ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِاتِّحَادِ الْوَكِيلِ وَتَعَدُّدِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى بَعْضُهُ مُمْتَازًا عَنْ الْبَعْضِ بِأَنْ اشْتَرَى دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَ شَفِيعًا لَهُمَا جَمِيعًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُمَا جَمِيعًا أَوْ يَدَعُهُمَا، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَن.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ أَخْذِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ هُوَ لُزُومُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يُوجَدْ هاهنا لِانْفِصَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارَيْنِ عَنْ الْأُخْرَى.
(وَلَنَا) أَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ مُجْتَمِعَةً لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الدَّارَيْنِ بِقَبُولٍ وَاحِدٍ فَلَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ تَفْرِيقَهَا كَمَا فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ فِيهِ ضَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ فِي الصَّفْقَةِ مُعْتَادٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَلَوْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَخْذِ أَحَدِهِمَا لَأَخَذَ الْجَيِّدَ فَيَتَضَرَّرُ لَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الرَّدِيءَ لَا يُشْتَرَى وَحْدَهُ بِمِثْلِ مَا يُشْتَرَى مَعَ الْجَيِّدِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارَانِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَتَيْنِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ مِصْرَيْنِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي الْجَانِبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَوَقَعَ الْبَيْعُ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ؟ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا الَّتِي تُجَاوِرُهُ بِالْحِصَّةِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الدَّارَيْنِ الْمُتَلَاصِقَيْنِ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ جَارًا لِإِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الشُّفْعَةُ إلَّا فِيمَا يَلِيهِ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَقْرِحَةِ الْمُتَلَاصِقَةِ؛ وَوَاحِدٌ مِنْهَا يَلِي أَرْضَ إنْسَانٍ وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَقْرِحَةِ طَرِيقٌ وَلَا نَهْرٌ إنَّمَا هِيَ مُنْسَاةٌ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ إلَّا فِي الْقَرَاحِ الَّذِي يَلِيهِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ فِي الْقَرْيَةِ إذَا بِيعَتْ بِدُورِهَا وَأَرَاضِيهَا أَنَّ لِكُلِّ شَفِيعٍ أَنْ يَأْخُذَ الْقَرَاحَ الَّذِي يَلِيهِ خَاصَّةً، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالشُّفْعَةِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: رِوَايَةُ الْحَسَنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَهُ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْحَقِّ- وَهُوَ الْجِوَارُ- وُجِدَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَا يَلِيهِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا أَخْذَ أَحَدِهِمَا، وَالصَّفْقَةُ- وَإِنْ وَقَعَتْ مُجْتَمِعَةً وَلَكِنَّهَا أُضِيفَتْ إلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَالْآخَرُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْحَقُّ؛ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا صَفْقَةً وَاحِدَةً أَنَّهُ يَأْخُذُ الْعَقَارَ خَاصَّةً، كَذَا هَذَا.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ- وَإِنْ وُجِدَ فِيمَا يَلِيهِ دُونَ الْبَاقِي لَكِنْ لَا سَبِيلَ إلَى أَخْذِهِ خَاصَّةً بِدُونِ الْبَاقِي لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَيَأْخُذُ مَا يَلِيهِ قَضِيَّةً لِلسَّبَبِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ ضَرُورَةَ التَّحَرُّزِ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.